آدَابُ الْمَجَالِسِ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102]، ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ:
إِنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ أَكمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ، وَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنَ الأَحْكَامِ, وَالأَخْلاَقِ,وَالآدَابِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( [ المائدة : 3 ]. فَمَا مِنْ خَيْرٍ إِلاَّ وَدَلَّ عَلَيْهِ الإِسْلاَمُ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلاَّ وَحَذَّرَ مِنْهُ, كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ،وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا], فَلَنْ تَجِدَ - يَا عَبْدَ اللهِ - خُلُقًا فَاضِلاً إِلاَّ وَجَدْتَ الإِسْلاَمَ قَدْ أَمَرَ بِهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ, وَلَنْ تَجِدَ خُلُقًا سَيِّئاً إِلاَّ وَجَدْتَ الإِسْلاَمَ نَهَى عَنْهُ, وَحَذَّرَ مِنْهُ, بِفَضْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
عِبَادَ اللهِ:
وَإِنَّ مِمَّا بَيَّنَتْهُ شَرِيعَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَوْلَتْهُ عِنَايَةً كَبِيرَةً, مَا يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْمُسْلِمِ مَعَ رَبِّهِ, وَمَعَ نَفْسِهِ, وَمَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ, فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَوْقَاتِهِ، وَأَحْوَالِهِ, وَأَمَاكِنِ وُجُودِهِ, فَبَيَّنَتْ آدَابَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ, وَالنَّوْمِ وَاللِّبَاسِ, وآدَابَ الطَّرِيقِ وَحَقَّهُ, وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الآدَابِ الْعَلِيَّةِ الَّتِي جَاءَت بِِهَا الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ.
وَخُطْبَتُنَا هَذِهِ سَنَقْطِفُ لَكُمْ فِيهَا زَهْرَةً مِنْ بَسَاتِينِ الإِسْلاَمِ الْفَوَّاحَةِ, لِنُعَطِّرَ بِهَا أَجْوَاءَكُمْ, وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌُُُُُ بِأَدَبٍ مِنْ آدَابِ الإِسْلاَمِ الْعِظَامِ, أَلاَ وَهُوَ أَدَبُ الْمَجَالِسِ؛ إِذْ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ الإِنْسَانَ يَأْنَسُ بِغَيْرِهِ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ, فَيُحِبُّ مُجَالَسَتَهُ, وَمُحَادَثَتَهُ, وَالاِسْتِزَادَةَ مِنْ هَذِهِ وَهَذِهِ, وَهُوَ أَمْرٌ تَرْغَبُهُ النُّفُوسُ, وَتَطْمَئِنُّ لَهُ الْقُلُوبُ, كَمَا أَنَّهُ أَمْرٌ تُرَغِّبُ فِيهِ شَرِيعَةُ الإِسْلاَمِ الْمُطَهَّرَةُ, إِذْ أَنَّهَا تُرَغِّبُ فِي كُلِّ مَا يَسُرُّ قَلْبَ الْعَبْدِ, وَيَدْفَعُ عَنْهُ الضَّجَرَ, مِمَّا لاَ يُخَالِفُ أَمْراً شَرْعِيًّا, وَلاَ يَعْتَدِي عَلَى حُقُوقِ الآخَرِينَ، أَوْ يُؤْذِيهِمْ، فَلاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ, وَلِهَذَا أَبَاحَتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ اللَّهْوَ الْمُباحَ، وَالْمُزَاحَ الْمُبَاحَ, وَالسِّيَاحَةَ الْمُبَاحَةَ مِنْ أَجْلِ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ؛وَقَدْ قَالَ r: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُمْ ، وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ . قَالَ حَجَّاجٌ: خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُمْ»[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الُمُؤْمِنُونَ :
اعْلَمُوا – رَعَاكُمُ اللهُ– أَنَّ آدَابَ الْمَجَالِسِ الإِسْلاَمِيَّةِ, يَتَعَذَّرُ حَصْرُهَا فِي خُطْبَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ؛ لِغَزَارَتِهَا,وَكَثْرَتِهَا.
وَإنِمَّا نَكْتَفِي بِإِشَارَاتٍ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الآدَابِ الْمُبَارَكَةِ, فَنَقُولُ: إِنَّ مِنْ آدَابِ الْمَجَالِسِ : أَنْ لاَّ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ فِي مَجْلِسٍ يَكُونُ فِيهِ مُنْكَرٌ إِلاَّ بِقَصْدِ الإِنْكَارِ، بَلْ يَنْتَقِيَ الْمَجَالِسَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي إِنْ جَلَسَ فِيهَا ذَكَّرَتْهُ بِاللهِ, وَحَثَّهُ أَهْلُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَتْهُ عَنِ الشَّرِّ وَالْمُنْكَرِ، وَإِنْ قَامَ عَنْهَا , لَمْ تَغْتَبْهُ أَلْسِنَةُ أَصْحَابِهَا وَلاَ رُوَّادِهَا, وَلاَ يُلَوِّثُ سَمْعَهُ بِغِيبَةِ النَّاسِ, أَوْ سُخْرِيَةٍ أَوِ اسْتِهْزَاءٍ, أَوْ فُحْشِ كَلاَمٍ, أَوْ بَذَاءَةِ لِسَانٍ, وَإِنَّمَا يَسْمَعُ أَطَايِبَ الْقَوْلِ, وَأَحَاسِنَ الْكَلاَمِ, فَإِنْ زَلَّ الْجَلِيسُ بِكَلِمَةٍ نَبَّهَهُ جُلَسَاؤُهُ بِلُطْفٍ وَرِفْقٍ, تَعَاوُنًا مِنْهُمْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى,وَتَوَاصِيًا بِالْحَقِّ وَبِالصَّبْرِ, وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ) وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( [العصر:1-3], وَقَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ r: « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ،وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَمِنْ آدَابِ الْمَجَالِسِ كَذَلِكَ:أَنْ يُسَلِّمَ الْمُسْلِمُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْجَالِسِينَ؛ فَقَدْ رَوَى أَبوُ دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ ، فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ». وَالسَّلاَمُ تَحِيَّةُ الإِسْلاَمِ, الَّتِي حَثَّ النَّبِيُّ r عَلَى إِفْشَائِهَا, وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ فُشُوِّ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ, وَفِيهِ مِنَ الْفَضْلِ وَالْحَسَنَاتِ مَا تَثْقُلُ بِهِ الْمَوَازِينُ, وَتُرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ.
وَمِنْ آدَابِ الْجُلُوسِ فِي الْمَجْلِسِ: أَنْ لاَّ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ, وَلاَ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا، وَلاَ يَجْلِسَ وَسَطَ الْمَجْلِسِ, وَلاَ يَجْلِسَ جِلْسَةَ الشَّيْطَانِ- نِصْفُهُ فِي الظِّلِّ وَنِصْفُهُ فِي الشَّمْسِ-, وَأَنْ يُوَسِّعَ فِي الْمَجْلِسِ لإِخْوَانِهِ؛ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( [المجادلة:11], ولاَ يُقِيمَ أَحَداً مِنْ مَكَانِهِ لِيَجْلِسَ فِيهِ, وَإِنَّمَا يِجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ, أَوْ حَيْثُ يُجْلِسُهُ صَاحِبُ الْمَجْلِسِ, وَلْيَحْرِصْ عَلَى الْجِلْسَةِ التَِّي لاَ تَكْشِفُ لَهُ عَوْرَةً, وَلاَ تُؤْذِي لَهُ جَلِيساً, وَلاَ تُخَالِفُ لِلنَّاسِ عُرْفاً صَحِيحاً، وَصَاحِبُ الْمَجْلِسِ أَحَقُّ بِهِ إِذَا قَامَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
عِبَادَ اللهِ:
وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْرِصُوا عَلَى إِحْيَاءِ مَجَالِسِهِمْ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى, وَأَن يَحْذَرُوا مِنْ أَنْ تُصْبِحَ وَبَالاً عَلَيْهِمْ, إِذَا أَعْرَضُوا فِيهَا عَنْ ذِكْرِ اللهِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبوُ دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ ، إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً», وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً- يَعْنيِ: حَسْرَةً وَنَدَامَةً- فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ،وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ», فَحَذَارِ مِنَ الاِنْشِغَالِ بِالْقِيلِ وَالْقَالِ الَّذِي يُلْهِي الْعَبْدَ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَلْيَجْتَهِدِ الْمُسْلِمُونَ فِي الإِكْثَارِ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ لِرَبِّهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ؛ اتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ r ؛ فَقَدْ قَـالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : «إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ r فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ». [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ].
أَقُـولُ مَـا تَسْـمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِـنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى نَبِيِّهِ الأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ آدَابِ الْمَجَالِسِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الإِسْلاَمُ : أَنْ يَتَجَنَّبَ الْعَبْدُ كَثْرَةَ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّغَائِنِ، وَإِيغَارِ الصُّدُورِ, وَبَثِّ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَخِيهِ ؛ وِلَهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ- أَيْ: مَا حَوْلَهَا خَارِجاً عَنْهَا- لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا» [رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ t ].
وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَبْتَعِدَ الْجُلَسَاءُ عَنِ النَّجْوَى الْـمَنْهِيِّ عَنْهَا؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ؛ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ».
وَعَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ - إِخْوَتِي الْكِرَامَ - مِنْ نَقْلِ الْكَلاَمِ، وَإِفْشَاءِ الأَسْرَارِ, وَنَشْرِ الْعَثَرَاتِ ، وَتَصَيُّدِهَا؛ فَإِنَّ الْمَجَالِسَ بِالأَمَانَاتِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَلِيقُ بِأَهْلِ الإِيـمَانِ، الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبَّهُمُ الدَّيَّانَ، ثُمَّ لْيَخْتِمِ الْمُسْلِمُ مَجْلِسَهُ بِكَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ, الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ r:«مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ،أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t ].
اللَّهُمَّ إِنَا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ r، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ r، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْراً.
اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ, وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ, وَدَمِّرِ اللَّهُمَّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.